جريمة الرق في متاهات العدالة: لا يزال تطبيق القانون أمرا مستعصيا

أحد, 26/11/2017 - 07:09

يدين نشطاء مناهضة الرق بشدة، تناقضات الحكومة الموريتانية وإرادتها  بالإحاطة بالكتمان التام، حالات الرق التي تم إثباتها علي ارض الواقع، ساعية في جهودها، إلي خلط الأوراق حول عمل الانعتاقيين، من خلال "التقليل من شأن" الحالات الاستعبادية التي عرضت على المحاكم منذ ثلاث، خمس، سبع وعشر سنوات في نواكشوط والنعمة و اطار ونواديبو. كما انه لم تتم أي برمجة مستقبلية لتلك الحالات للبت فيها. 
وفي الوقت نفسه، أنشأت السلطات ثلاث محاكم، تفتقر إلي الإرادة الفعلية للقضاء على هذه الظاهرة.
لقد كان بوسعنا الاكتفاء بمحكمة واحدة، مجهزة و تعتمد في مهامها علي  نيابة عامة و قاضي للتحقيق و وحدة للتحقيق أيضا، من الشرطة أو الدرك، علي غرار المحاكم المخصصة للإرهاب، والمخدرات واختلاس المال العام  و القصر، يقول بقوة، بوبكار ولد مسعود، رئيس نجدة العبيد، المنظمة ذائعة الصيت في محاربة الرق في موريتانيا. 
وعلى الرغم من تعقيد المسألة ومن إنشاء هذه المحاكم القضائية، تم تكليف  قاض واحد فقط، يعمل بمساعدة كاتب، بالبت في قضايا متعددة. 
أما باقي الملفات، فكان يترك لاختصاص المحاكم العادية. "إنها خطوة مؤسفة لخداع الرأي العام الدولي، مع الأمل في إقناعه بالفراغ. 
أن السلطات ليست مؤمنة بضرورة المحاربة الجدية للرق. فتراوغ بهذه الطريقة المؤسفة، أمام الرأي الدولي وبعض المنظمات الموجودة في موريتانيا (التي كان  ينبغي لها أن لا تخدع)، لكي تبرهن في غضون سنتين، لكل هذه الجهات، أن الرق غير موجود وان المحاكم الثلاث المختصة، لم تصلها أي حالة تثبت التعرض إلي الاسترقاق"، يأسف بوبكر ولد مسعود.

محاكم فارغة
يري البروفيسور سو عبد الله، أستاذ وباحث في العلوم الاجتماعية في جامعة نواكشوط، الذي يصف الرق ب "السرطان الاجتماعي"، باعتباره ممارسة مخالفة، وجوب محاربته على شتي الأصعدة وكافة المستويات. 
أما بلال ولد الديك، المستشار القانوني لوكالة "التضامن لمحاربة آثار الاسترقاق و مكافحة الفقر و بالدمج" ، فيقول : " فبالرغم من النواقص، توجد هناك إرادة سياسية في اتجاه المحاربة وتجاوز مرحلة المخلفات " (1). ولا يزال مقتنعا بأن موريتانيا ستحرر نفسها من هذه الممارسة، إذ يعدد بعض الإجراءات التي اتخذتها وكالة التضامن، وصفتها نجدة العبيد ب "التلميع" 

كما أن المعالجات القضائية المعروضة علي تلك المحاكم غير مطابقة للتقويم  الصادر عن النيابة. فبعد استجواب وسماع القضاة للضحايا والمتهمين المفترضين بممارسات استرقاقية، وعلى الرغم من إثبات العلاقة الجنائية بين الطرفين، تتم المعالجة القانونية للحالات المتعلقة بممارسات استعبادية، بوصفها مخلفات.
"إنه أمر غير مقبول! و لا ينسجم مع القانون. إنهم في الواقع، يسخرون من ما نقوم به "، يندد رئيس نجدة العبيد.

"إن سياسة السلطات واضحة جدا. إنها تسعي إلي دفع نشطاء العبودية إلي الملل و اليأس في محاربتهم  مع الزمن. فهي لا تساعدنا على تحديد الحالات. كما إننا نسعي دائما الي طرح المشكلة مرفقة بما يكفي من الأدلة. ولكن السلطات تحرص، كلما سنحت لها الفرصة بذلك، إلي تغييرها أو أفسادها.
 لقد خسرنا حالات، اثر إنعاش بعض الأصدقاء لمؤتمرات صحفية علي عجل. فمن حيث المبدأ، لا أسعى إلى البحث عن ضحايا استرقاق في المنازل أو المعسكرات.
إنما نقدم العون لأناس يواجهون المحن، جاءوا لطلب المساعدة "، يقول بوبكر مسعود.

نفي للحرمان وغموض 

"إن السلطات السياسية تلف بالغموض التام، منذ عهد المختار ولد داداه، معالجات حالات الاستعباد، عائمة بين نفي للحرمان والغموض"، يقول الأستاذ العيد محمدن امبارك، محامي في نقابة المحامين في نواكشوط.
فبالرغم من الجهود التشريعية، القانون الذي ألغي العبودية لعام 1981، والقانون 031-2015 والقانون 2007-048، بتاريخ 3 سبتمبر 2007، الذي يجرم الرق ويقمع ممارسات الرق، لا يزال الغموض و التردد يطبعان الخطاب السياسي، الذي "يهيمن" على القضاء"، حسب قوله. 
وينص قانون عام 1981 على تعويض الأسياد غير المدانين في ممارساتهم، في حالة رحيل العبيد الذين يتم اعتبارهم "ممتلكات ضائعة". 
وفيما يتعلق بالقانون الجديد (2007)، ليست الأحكام الصادرة بشـأن المتهمين (2)، أقل بكثير من الأحكام القانونية فقط، بل لا تحظى، نسبة تعويض الضحايا بقدر أكبر من الاحترام. 
فعلي سبيل المثال، لم تستلم أم تبلغ من العمر 55 سنة ولديها 7 أبناء، تتراوح أعمارهم بين 8 و 17 عاما، بعد 45 سنة من الاستعباد، سوي مليون أوقية، وهو مبلغ زهيد جدا و بعيدا كل البعد لتعويض سنوات العبودية والمعاناة البشعة
من جهة أخري، يؤكد الأستاذ العيد، بان القاضي، رغم تشخيصه للقضايا المعروضة عليه بأنها ممارسات ووقائع استعبادية بحتة، دون تطبيق للأحكام، يصنف تلك الحالات بوصفها "مخلفات".
كما أن ألالتزام السياسي غير موجود، في بلد ريادي في المصادقة النصية، ومن ثم التطبيق الافتراضي للنصوص ".
ومن ما هو منطقي التحدث عن آثار الرق، في المجتمعات الزنجية الموريتانية (هالبولار، سونينكي وولوف)، علي عكس ممارسات الرق، بالمعنى الصحيح.
"ففي هذا الصدد"، لم يسجل أبدا، في أكثر من خمسة عشر عاما عضوا في النقابة، أدنى شكوى مقدم من طرف زنجي موريتاني ضد زنجي موريتاني آخر، بسبب ممارسات استعبادية"، يقول المحامي العيد. 

وبالنسبة للأستاذ إبراهيم ولد أبتي، محامي في نقابة المحامين نواكشوط (3)، "تعتبر موريتانيا واحدة من الدول القليلة في العالم التي تصف الرق باعتباره جريمة ضد الإنسانية. ولكن وجود  نصوص جيدة جدا لا يكفي. فعلي الصعيد التشريعي، يتم اتخاذ الأحكام بأكبر قدر من التناقض. فنعاقب ممارسات وليس مخلفات " .
إننا ندعو السلطات إلى "الاعتراف علنا بهذه الظاهرة المهينة والقذرة، التي تجب مواجهتها،  بتضافر جهود الجميع، للقضاء عليها إلى الأبد.
أننا نجلس على بركان خطير. فعلينا إذا اتخاذ خطوات شجاعة للقضاء عليه والعمل على تخفيف هذا الصدع العميق".

من جانبه، يقول الأستاذ إباه أولد مبارك بشكل قاطع: لا توجد ملفات مخلفات أمام المحاكم. إنما توجد ملفات متعلقة بحالات استعبادية تم إثباتها علي ارض الواقع.
وللأسف، فإن الادعاء وقاضي التحقيق يلفتان انتباه الجمهور والمراقبين عن هذه الحقائق المشينة. "فعلينا أن نتوقف عن التباهي بأن العبودية غير موجودة، في الوقت الذي نري الضحايا والأسياد بين ظهرانينا "، يقول الأستاذ.
إن رفض الحديث علنا عن استمرار العبودية، من أشخاص، تم توظيفهم في هرم السلطة من اجل محاربة مخلفات الرق، التي لا يصفونها بأنها استمرار لهذه الظاهرة، بل محاربة للفقر، دليل  على أن الحكومة الموريتانية لا تسعي لوضع حد، بشكل فعال ووفقا لقوانينها الخاصة، لممارسة لا تزال تخلف عديدا من الضحايا. 
إن حالة واحدة تكفي، في علم الأوبئة في حقوق الإنسان، للدلالة على مشكلة: لقد أدي رفض قبول استمرار هذه الظاهرة- الحكومة الموريتانية إلى استخدام التناقضات الصارخة بين اعتماد قوانينها وخطاب السلطات المختصة (4). 

العمل من اجل دفع نجدة العبيد لنضالها 

"تتعرض هذه الآونة منظمة نجدة لعبيد إلي شبه حرب"، يقول بوبكر ولد مسعود، بعد منع السلطات من إطلاق مشروع تموله منظمة مكافحة الرق الدولية في نواكشوط. 
"إن الحكومة منهمكة في دراسة حالتنا. كما أبلغت سلطات مقاطعتي النعمة وباسكنو، ممثلينا المحليين بتجميد الأنشطة "، يضيف ولد مسعود. 
وفي هذا السياق، أصبح اليوم منسق مكتب نجدة العبيد في باسكنو والناشط القوي في معاقل محاربة العبودية، ادوم ولد اعبيد، شخص غير مرغوب فيه، لدي النيابة العامة والدرك.
"أن مدينة باسكنو، التي تعتبر احدي قلاع للعبودية، هي في الحقيقة من اكبر بؤر الظاهرة، حيث تمثل نسبة ملفاتها ضمن مئة حالة رق عالقة أمام محاكم الحوض"، أكثر من النصف،" يضيف ولد اعبيد.  "لقد قدمت من هذه المدينة، التي تعيش في ظروف مزرية للغاية، خمسة وأربعين أسرة من العبيد،  فروا للتخلص من قبضة أسيادهم.
وجاءت هذه الضحايا الفقيرة، خصوصا من آبار اظهر:  ازماد، أوتيد الطلحاية، اباكا، حاسي اهل أحمد محمود، حاسي اتلاحيك وأماكن أجري، حاسي اروت أو انبيكت لحواش.
"كما طالبت الضحايا دون استثناء، بتحرير بعض الأقارب الذين مازالوا هنالك مع أسيادهم، من البدو الرحل، بين مالي و موريتانيا"، يضيف ادومو ولد اعبيد.
وتزعم السلطات الأمنية باستمرار، عند إبلاغها بتلك الحالات الاستعبادية، من اجل متابعة الأسياد الضالعين، بأن أولئك المجرمين يتواجدون خارج الأراضي الموريتانية، في الحين الذي يؤكد فيه رئيس نجدة العبيد، المجيء المتكرر للاستعباديين إلي المعارض التجارية بباسيكنو وضواحيها من اجل التسوق.
وكان من آخر العبيد الفارين الذين وصلوا إلى باسكنو،  خيدامة وابنتيها (زايدة وامباركة)، في أبريل 2015؛ عيسى ولد حمدي، وهو طفل يبلغ من العمر 12 سنة، الذي وصل الي النعمة في 29 مايو 2015، بعد قطع مسافة تزيد على 100 كيلومتر سيرا على الأقدام، والمسنة امبيريكة، في يوليو 2015 (5)

وحسب رئيس نجدة العبيد، تسعى الحكومة لإثبات أقوال رئيس الدولة، التي يجزم فيها أن "العبودية غير موجودة. [...] ليس العبد الا من اختارها لنفسه. [...] ففي الواقع، كل هذه الأمور لا تعدو كونها من نسيج الفبركة.
"فإذا كانت هذه الأشياء من خلق المونتاج، فنحن على استعداد للذهاب إلى السجن. ولكننا، وعلى أية حال، قد فهمنا جيدا ونددنا بشكل لايدع مجال للشك،  لعبة السلطة غير النزيهة"،  يقول بوبكر ولد مسعود.

إتيام مامادو، بعون ب. توري
تم انجاز الملف في اطار مشروع: "حرية، قانون وعدالة: محاربة  الرق عن طريق النسب في موريتانيا" بالوزارة الخارجية الأمريكية.

-----------------------
(1و3) : تصريحات تم ذكرها في ورشة مساندة حول القوانين 031-2015 و 2007-048 بتاريخ 3 سبتمبر 2007 والمتعلقة  بتجريم العبودية ومعاقبة الممارسات الاستعبادية ، التي نظمتها الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، في 8 نوفمبر 2017

(2) جريمة استعباد: عندما تتخذ العدالة المماطلة ذريعة للتخلي عن مهامها
، http://lecalame.info/؟q=node/6440
(4) الرق والتمييز في الجمهورية الإسلامية الموريتانية: قهر الحرمان"، ماري فوري، قانونية
(5) " باسكنو:  قلعة للعبودية