الكلمة الحرة للعبيد السابقين (3): بداية معركة العيش الكريم بعد التحرر من قبضة الأسياد

اثنين, 01/01/2018 - 08:11

تواجه المنظمات الانعتاقية، بسبب ألاستهداف التي تتعرض له من طرف السلطة و شح ألموارد الي بعض ألصعاب التي تحول دون تنفيذ برامج دعم حقيقية لصالح الضحايا السابقين.

"إننا نواجه عقبات هائلة، اغلبها خفي، تضعها السلطة أمامنا"، يقول منددا، رئيس منظمة نجدة العبيد بوبكر مسعود.

"و تأمل السلطات في هذا المضمار، إقناع الضحايا السابقين، بأن مصلحتهم تكمن في الثقة في أسيادهم، بدلا منا، ونحن الذين نسعي في تحريرهم من قبضتهم".

وبالتالي، تعتزم وكالة التضامن "الوكالة الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق، وللدمج، ومكافحة الفقر"، الاعتناء بمفردها، بالضحايا السابقين.

ومن ذلك ألمنطلق تقوم بكثير من ألأشياء من دون الاستعانة بنا.

فنحن لسنا عضوا في لجنتها المكلفة بالتسيير، كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظرنا. ناهيك عن مصالح الضحايا الذين نمثلهم والذين لا حول لهم ولا قوة"، يأسف ولد بوبكر.

"إن ألدولة التي لا تقوم بتمويلنا ولا بإشراكنا فيما تفعل لصالح هؤلاء المتحررين، إنما تسعي في استهدافنا و تصويب الأصابع اتجاهنا.  و في النهاية، لا يسجل تطور أي برنامج حقيقي لفائدة الضحايا، كما قال المهاتما غاندي: "ما نفعله لك بدونك، انما يحاك ضدك".

لقد تم إنشاء وكالة التضامن الانفة الذكر في مارس 2013.  وبالرغم من أنها تصف نفسها، بأنها وكالة تنمية، فان الطريقة التي تنتهجها في اختيار المناطق التي تنوي التدخل فيها، ليست شفافة بما فيه الكفاية.

ويبدو أنها تقتصر في أنشطتها وتدخلاتها علي دعم البني التحتية، دون أي استمرارية حقيقية في بدء التشغيل والبحث الفعلي عن موظفين قادرين على توفير الخدمات المنتظرة من هذه الأشغال (1).

غير إن الأستاذ بلال ولد الديك يعتبر إنشاء وكالة التضامن خطوة إلى الأمام، تعكس إرادة سياسية لمحاربة المخلفات الاجتماعية والاقتصادية للرق.

وفي معرض إشادته بإستراتيجية بناء المدارس، يوجز الأستاذ مسألة الاستعباد في صيغة واحدة: "المشكلة ذات طابع تربوي" (2).

ويري رئيس منظمة العبيد، هذا الاستنتاج، وان كان واقعيا، انه لا يتطرق بالقدر الكافي إلي الأهم : "نحن نعتبر أن بعض أحفاد العبيد السابقين، هم من يسعون للحفاظ علي وكالة التضامن، ولو كان من يديرها، هم من لحراطين.

أنهم يريدون تعزيز قبضة الأسياد علي العبيد، مع أن الأهم هو استعادة الكرامة".

وتحقيقا لهذه الغاية، يدعو بوبكر إلى فصل بين و واضح، حتى يتمكن العبيد السابقون من العيش في جو تطبعه العدالة والمساواة، ومن اجل الخروج شامخي الرأس وغير متسكعين أو متسولين.

"لا بد من تحديد واضح للحقيقة وإيجاد الحلول الفعلية، وإلا، فيجب علينا توقع عواقب عديدة، لا تحصر".

قطع الحبل السري

إن قطع هذه العلاقة  يبقي بمثابة "عقدة غورديان". إن النظرة غير الإنسانية للعبد، تجعله، لا ينمي أي روح نقدية و بدون قدرة أو نشاط  فكري و بلا مرجع، يمكنه من "استعادة" استقلالية الكرامة"، يقول الأستاذ عبد الله صو، باحث في العلوم الاجتماعية بجامعة نواكشوط.

وفي نفس السياق، يعبر بوبكر ولد مسعود عن  حقيقة واضحة: "غير متعلمين و بلا تدابير، يضطرالعبيد السابقون باستمرار، إلي اللجوء إلى أسيادهم السابقين. أنهم غير قادرين علي العثور على أي شيء بمفردهم. فكل ما يحصلون عليه، فبفضل الأسياد

وخير دليل في هذا الشأن، هو قضية خيري منت حبت، المولودة سنة 1984 في أطار "إبان الفيضانات"، حسب قولها، والتي تم إطلاق سراحها ليلا من طرف الدرك، بناء على أوامر من العدالة و التي تمكنت من الحصول علي وثائق مدنية، بفضل حنكة نقطة الاتصال بمنظمة نجدة العبيد في ولاية آدرار، مبارك ولد محمود.

"لقد تمكنا، برفقة من الدرك، من تحريرها في احدي ليالي 2007، في تورين، بأمر من العدالة.

وكان سيدها، الذي أتت إلي الدنيا من صلبه، قد أعد لها مرة، بطاقة تعريف مزورة، لأغراض انتخابية، وهي الوثيقة التي حصلت بفضلها على أوراق مدنية، لها و لبقية عائلتها "، يكشف مبارك.

"[...] إلا إننا غير قادرين علي تخليص العبيد من نير العبودية لتركهم يتعرضون للوقوع في استعباد آخر أو للفقر المدقع". وبالتأكيد، فان الطريق الي العيش الكريم و العمل المفيد

مليء من  الأشواك.

فكيف يمكن جعل الضحايا السابقين أو الأشخاص الهشة، أناس ذات أهمية وفائدة من جهة و تخليصهم من الفقر،من جهة أخري؟

 ففي محاولاتها للإجابة على هذه الإشكالية الحاسمة، قامت منظمة نجدة العبيد بإنشاء أنشطة مدرة للدخل في كل من الحوض الشرقي وآدرار، من اجل المساعدة في إعادة إلادماج الاجتماعي للضحايا التي شاركت في تحريرهم من قبضة الأسياد.

وهو ما اعتبره الأستاذ الشيخ سعد بوه كمارا، أخصائي في علم الاجتماع، رؤية عملية ترتكز علي مبدأ "أن لا حرية حقيقية للعبيد، دون وسائل التحرر".

ويدعو مبارك في هذا الشأن،  إلى رصد  التمويلات الملائمة، خاصة لوضع الفاعلين النشطين في الميدان، في الظروف التي تسمح لهم بتأدية مهامهم علي أحسن وجه، وكذلك من اجل الولوج إلي التكوين المهني وإمكانية الحصول على السكن، لتأمين أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان.

ومن الأنشطة المدرة للدخل التي اقترحتها منظمة نجدة العبيد على الضحايا السابقين، متاجر مجتمعية تم فتحها في أطار وباسكنو.

وقد عبئت المنظمة أموالا كبيرة لتحفيز بدء نشاط تلك الحوانيت، التي تم فتحها لفائدة نساء لحراطين، اللاتي تضم من بينهن نساء لم يتعرضن شخصيا للاستعباد

ويتراوح رأس المال الأولي لتلك المتاجر ما بين 520.000 و 560.000 أوقية، مع إلزامية الحفاظ على 200.000 أوقية كرأس المال العامل، لمواجهة  المشاكل الطارئة.

وتوجد هذه المحلات التجارية في تينري (مدخل أطار) و اغنمريت وفي السوق، وهي المواقع التي تم اختيارها  على أساس الأولوية للأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية العالية و القريبة من المناطق السكنية.

ولم تكن البداية سهلة: خسائر جافة، إحباط وتخلي بعض النساء عن مهام التسيير.

"لقد طلبوا مني، وهن أيسر مني حالا، أن أتحمل تكاليف نقلهم، الشيء الذي،  ليس بمقدوري للأسف "، يقول مبارك ولد محمود.

"انه لم يتم تحديد شيء في هذا الشأن وان كنت، اشارك بعض الأحيان احداهن فيما عندي، ولكن مرة واحدة مع كل منهن.

إننا نعيش نفس الظروف الصعبة، مما يفرض علينا التعامل معهن بالتساوي".

فكانت تعمل النسوة في ثلاثة حوانيت متخصصة في بيع الكسكس والمواد الغذائية و الملابس وغيرها من المنتجات المشتقة.

وهي متاجر متواجدة في ثلاث إحياء من مدينة أطار، تنشط فيها عشرة مسيرات،  وفق تناوب شهري، فيما يتولي المصطفى ولد إبراهيم، مدرس و مشرف علي الأنشطة المدرة للدخل، التسيير الشهري للحسابات.

"ان كل شيء يسير على ما يرام"،  يقول المصطفي بارتياح.

"لقد مكنت هذه الحوانيت  من تسجيل أرباح ضعيفة و متواضعة، بعد دفع الإيجار (8.000 إلي 10.000 أوقية) وتكاليف الكهرباء.  وكانت تتوزع تلك الحصيلة بين جزء ينضاف الي رأس المال وجزء، يتم توزيعه علي الميسرات المنخرطات في تشكيلات مختلفة للتضامن فيما بينها.

ويختلف الدخل حسب الشهور كما يتم أحيانا تأجيل الإرباح إن تحققت والتي تكون تارة عديمة ".

كما أن حصصا لمحو الأمية يتم تقديمها في نفس الوقت، لصالح المسيرات في مجال المحاسبة.

وتؤكد النسوة "إن الهدف الأساسي الذي يعملن من اجله، هو الشعور بأنهن  مفيدات لشيء ما".

"انه من المهم أن نتمتع بقليل من الاستغناء عن الآخرين، في حالة الضيق و الصعاب، والتي للأسف تعتبر حاضرة باستمرار. فيمكن مثلا اقتناء عن طريق السلف، بعض المنتجات إلي حين تسديدها لاحقا.

 إن هذه الأنشطة تجعلنا في منئي من الاسترقاق و ترفع من شأننا "، تقول أوم العيد.

إلا إن النضال من اجل العيش الكريم يبقي مع ذلك، بمثابة التحدي الأكبر الذي يواجهه هؤلاء النساء، أللتي يجدن، بسبب فقرهن، صعوبة في التصدي للمشاكل اليومية والتي يأتي النقل في مقدمتها.

فعلا، تقع بعض المتاجر بعيدا من منزلهن  كما أن النقل ليس مجاني وبالرغم من تلك العراقيل، فإنهن يتحملن مسئولياتهن و يحققن نتائج توحي إلي الأمل.

"إن نجاح هذه التجربة النموذجية الرائدة، دفعت نظيراتهن، هنا وهنالك، إلي تقديم طلبات من اجل فتح حوانيت جديدة، تهدف دائما إلى مزيد من تقريب الخدمات التجارية"، يؤكد المصطفي.

"لقد اظهر العمل الجماعي، بشكل لا يدع مجالا للشك، انعكاساته الايجابية الكبيرة، حيث أن المسيرات اكتسبن الإحساس بالمسؤولية و وزاولن أنشطتهن في جو تطبعه المنافسة السليمة.

كما إنهن يبذلن، في المتاجر الثلاثة المذكورة، جهود مضنية لتحقيق أرباح كبيرة وللحد من الخسائر و لتفادي سخرية الآخرين، مع إدراكهن التام لأهمية تلك الوسائل.

وهي نتائج تظهر كلها أن المبادرة جيدة جدا وانه من الضروري تعزيزها و تحسينها، في السنوات القادمة، من خلال زيادة المبالغ وتنظيم ورشات خاصة بالتكوين المهني كالخياطة والصباغة، و غيرهما من الأنشطة المدرة للدخل.

إتيام مامادو

تم انجاز الملف في أطار مشروع: "حرية، قانون وعدالة: محاربة  الرق عن طريق النسب في موريتانيا"، الممول من طرف الوزارة الخارجية الأمريكية.

-----------------------

1- "الرق والتمييز في الجمهورية الإسلامية الموريتانية: التصدي للإنكار "، ماري فوري، قانونية.

- 2 و3 : تصريحات صدرت في ورشة مناصرة نظمتها الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، في 8 نوفمبر 2017، حول مواد القوانين 031-2015 و 2007-048، بتاريخ 3 سبتمبر 2007  والمتعلقة بتجريم العبودية ومعاقبة الممارسات الاستعبادية

مؤطر

تشييد حجرتين للدراسة (الأطفال والكبار) في مقر منظمة نجدة العبيد، في حي امباركه واعماره (أطار)، يتم فيهما تقديم ساعتين من القراءة والكتابة والحساب يوميا، مدة  أربعة أيام في الأسبوع.

كما يتم تطبيق نفس المنهج في مكاتب المنظمة في النعمة وباسكنو.

وإضافة إلى تعليمهم الحساب المحاسبي، يستفيد البالغون من تحديث مستوياتهم في بعض النقاط.

ومن الأهداف المهمة الخاصة بهم، الإدراك بأنهم مثل غيرهم من البشر و إن لا يعبدوا إلي الله، مع تدريسهم مقومات الدين: الوضوء، والصلاة والقواعد الأساسية للحياة الاجتماعية.

غير أن ثمة مشكلة محتملة قد تؤدي إلي عرقلة البرنامج: المتعلمون يقطنون في إحياء نائية وبعيدة من مكان التدريس كما يقطعون مسافات طويلة (عشرة و حتى خمسة عشر كيلومترا!).

مما يجعلهم يضطرون، في غياب امتلاك وسائل للنقل، الي السير على ألأقدام ذهابا و إيابا.

وبالطبع هنالك تقدم ملحوظ على مستويات مختلفة من الاستيعاب.

إن الضحايا السابقون وأبنائهم يعانون من ثغرات ونقاط ضعف عديدة، ألا أنهم عاقدون العزم على سدها، مدركين جيدا إن التعليم هو وحده القادر علي  تحريرهم من الفقر

كما يتم أيضا تنظيم حصص تقوية، يقدمها محمد ولد السالك، في فصول مختلطة، للنساء والرجال، في متوسط عمر 35 سنة، غالبيتهم نسوة، بسبب انشغال الرجال بالإعمال اليومية.

وقد تمكن 15 تلميذا في أطار،  من الحصول على عقود الميلاد، مما أتاح لهم الالتحاق بالمدرسة العمومية.

ألا إن بعض التلاميذ تركوا المدرسة، مفضلين الذهاب إلى مراكز تقدم الحساء.

"إننا لسنا قادرين علي تقديم هذه الخدمة، إضافة إلي الأدوات التربوية"، يقول مبارك.

"إننا نتفهم دوافع التخلي عن التعليم، لأن الطلاب يقطعون عشرات الكيلومترات و يأتون متعبين الي الاقسام. انها وضعية مشقة حقا ويرثي لها.

"إن إرادة التعلم لهؤلاء التلاميذ، هي بالفعل إرادة صادقة و صارمة وقوية، إلا أنها تصطدم بالمستوي العديم لأبناء الضحايا السابقين"، تقول المعلمة  محمودة منت إبراهيم.

"إني أذهب علي الدوام، إلى الأهالي لإبلاغهم، كما اتصل بهم أحيانا عبرالهاتف، في حالة غياب متكرر لأبنائهم. أنهم يدركون حقا، أهمية التعليم. [...]

إني أقدم الدروس بلطف منذ سنة ونصف، كما قدمت، لمدة عامين، دروسا في فصول محو الأمية، مما جعلني أشعر بأنني أديت عملا مفيدا كما أساهم، ولو بشكل متواضع، في تكوين الأولاد.

إني مشغوفة بممارسة هذه المهنة، التي لم اعشقها لدوافع مادية، ألا إنني ابغض بكل بساطة، العبودية.

إن التعليم هو الوسيلة التي نستطيع من خلالها خلق وعي لدي السكان و مساعدة الضحايا والضحايا السابقين للخروج من المعاناة "، تواصل محمودة منت ابراهيم.

"" انه من الصعب استعباد شخص استفاد من التعليم"، يؤكد الأستاذ إبراهيم ولد إبتي، الذي يدعو إلى  تعليم عام نوعي ومجاني.

 "إن المعلمون بحاجة إلى إمكانيات للتدريس، يتطلب توفيرها لهم".

ويلفت الأستاذ الانتباه إلي "الخطأ الجسيم" في إنشاء مدارس الامتياز، قائلا بان  "هذه المؤسسات تجسد التميز" وتعتبر ضربة قوية لجيل التلاميذ القديمين، الذين تلقوا تعليمهم في الكافلات المدرسية.