الأول مرة...المشاهد تنشر ترجمة لوثيقة اخوك الحرطاني التي كانت بداية نضال لحراطين

اثنين, 02/12/2019 - 20:03

ترجمة وثيقة تاريخية: كتبها و وزعها ف 13/7/1978 الزعيم مسعود بلخير ونالت موافقة وتثمينها من طرف كوادر حركة الحر.
هذه الوثيقة ما تزال ذات صلة بشؤون الساعة حيث لم تفقد فاصلة واحدة من شكلها ومضمونها.

وقد سبق للمشاهد ان نشرت اصل الوثيقة باللغة الفرنسية

............................

أخي الحرطاني

إن المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادك اليوم مقلقة بما يكفي، بل منذرة بالانفجار بشكل خطير لا يسمح لك بمواصلة الصمت والرضى لنفسك بالبقاء متخفيا بشكل مأساوي فرضه عليك مجتمعك، لأنه ثمة أوضاع يكون فيها الخمول جريمة لا تغتفر، لا من قبل الأمة ولا من قبل الحراطين.

لهذا السبب، أدعوك للتوقف لحظة لتقوم بمسح لمراحل وضع نشأتك الشخصية  من خلال صدمات الأمة بأسرها، وأن تقرر بصفة مسؤولة إزاء ما يبدو أنه منعطف جديد.

بعد أن كنتَ نتاج حروب ومتاجرة واختطاف، شكلت منذ قرون مركوبا مستغلا بشكل غير إنساني ومخجل، وهو ما يتضمن ظلما جليا...

بمقايضتك، بجعلك منحة، ببيعك، بتتريكك، لم تكن إلا شيئا، وفي أحسن الحالات ماكنة مشحوذة تعطي مردودية كبيرة مقابل تكاليف صيانة زهيدة. وعلى مدى قرون عشت "علميا" مقتنعا بدونيتك العرقية أو حتى السلالية، دون أن تحرك ساكنا ضد هذه الوضعية التي تقبل، بشأنها، معاناتك وموتك جراء العمل القسري والجوع. وخلال قرون استهلكتَ نفسك تحت الشمس وعلى الرمال الحارقة، باكيا، متأوّها، حافرا سيلا من الدموع والدم لا يمكن ليديك المكبلتين أن تسعه. إن قدَرك ذي الاتجاه الوحيد، الكامن في حتميتك المنكوبة، هو البؤس، ومن ثم الموت.

إن الإسلام، دين الرأفة والأخوة الانسانية والتسامح والنسك (هكذا على الأقل عرّفه فقهاؤه) لم يخفف من عبء أثقالك. فقد اختطفته الإقطاعية عن وعي، فبات في خدمتها بدلا من أن يكون لها نبراسا.

أما الاستعمار، أو "الحضارة الهمجية"، فلا غاية له غير هذا. فقد فهم على عجل، وهو أداة هيمنة وظلم وسلب، أن مصلحته تكمن في أن يكون إلى جانب الأقوياء ضد الضعفاء، وهو ما فعله معززا أكثر قبضة الإقطاعيين على كل الطبقات "الدنيا".

لقد أزهر القوميون في نهاية الحرب العالمية الثانية وتطوروا واتسع مداهم دون أية مشاركة منك. لا شك أنه لا يمكن لومك على مثل هذا الغياب لعدة أسباب، منها اثنان أساسيان:

1-التعليمات كانت تكمن في منح الامتيازات للطبقات ذات الحظوة (الإقطاعية والبرجوازية الناشئة).

2-النخبة القليلة، التي ظل يهدهدها الوهم باندماج تام في الظالمين، قبلت بخنوع التحالف العبثي بين الفارس وفرسه (الراكب والمركوب).

هذا الوضع هو ما اتسمت به الـ 18 سنة من استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية: 18 سنة كان فيها البلد، الذي يواجه مشاكل لا متناهية (حقيقية أو وهمية)، غير مجمع إلا حول نقطة واحدة: تناسي الطبقات المظلومة (والعبيد هم أكثرها تعرضا للظلم) لصالح المشاكل الأكثر "جدية وإلحاحا"، كما لو أنه يمكن أن يوجد، ضمن حياة البشر، أي شيء أكثر قداسة من الحرية.

حتى الحركات الوطنية الأكثر تقدمية (التي حملت الكثير لوطنك الغالي) لم تشأ أن تأخذ في الحسبان هذه الحقيقة الأساسية. فما كان منك إلا أن صرختَ، محقا، بأنه ثمة مؤامرة منظمة وخيانة...

ومن المفارقة بمكان أنه بعد كل هاته السنوات، المزعوم أنها سنوات الاستقلال، ما تزال حريتك مصادرة وما تزال مغيبا في كل شيء (الحكومة، البرلمان، الحزب، الإدارات السامية)، بيد أنك بقيت حاضرا على الجبهات، أي في الحرب حيث لديك ما تخسره وليس لديك ما تستفيده: حرب تشكل فيها، في تحليلها النهائي، الضحية الأساسية، لأن الحرب عندما تُضعف الكل تُضعف الضعفاء في المقام الأول. وخلال كل هذه السنوات من نظام إقطاعي، وغير وطني، وفاقد للشعبية، كنت تنفخ في رماد.

هذا النظام تم وضع حد له، لحسن الحظ.

إن سقوطه يمثل، دونما شك، نصرا للشعب برمته، لكنه بالأساس نصر لك أنت الذي احتُجزت حتى الآن بالديماغوجية والشعارات الجوفاء وبالسلاسل.

ومع ذلك، فإن عمله (تراخيه) ساعد في جعل كفاحك راديكاليا، وقد حملك، شيئا فشيا، إلى نقل تناقضاتك الداخلية والانتقال من "العجز الفطري" إلى الوعي الكامل بمسؤولياتك.

لذلك أصبحت تقف ببسالة شامخا، في الريف، في المدن، في الورشات، في المكاتب، على مقاعد الدراسة، للرد على قوى الشر، مصمما على انتزاع النصر النهائي.

وبالتالي، فإن المنعطف الذي جعلت اللجنة العسكرية للانقاذ الوطني البلاد تعيشه منذ العاشر يوليو، تجب تحيته وتشجيعه.

هل يعني ذلك أن كل الآمال مخولة؟

نعم، في حالة أن اللجنة العسكرية للانقاذ الوطني تعي (كما تقول هي نفسها) الوضع الكارثي الذي أغرقت فيه البلاد من قبل النظام السابق،  وتضع نصب عينيها انقاذ الوطن. لأن الإنقاذ الوطني، الذي يمر حتما بإيجاد حل للحرب، سياسي واقتصادي واجتماعي. إن هذا البرنامج الطموح والتام يثير في كل مكان ردود فعل إيجابية. الكثير من هذه الردود مصدرها الانتهازيون القابعون بالمرصاد، والإقطاعيون البرجوازيون المتعجلون على الدوام على مصادرة السلطة واختطاف توجهاتها الوطنية إلى مصالحهم الأنانية.

لهذا فإننا نحذر اللجنة العسكرية للانقاذ الوطني من هذه الردود غير الوطنية المنحازة بشكل خاص إلى مصالحها. عليها أن تفهم ضرورة القطيعة مع كل التقاليد التي طبعت النظام السابق وسببت للشعب الكثير من الألم.

ما يرجوه الشعب من خالص قلبه هو:

*نهاية مشرفة للحرب،

*عدالة ومساواة اجتماعية حقيقيتان،

*إنعاش اقتصادنا المفلس.

إذا كانت مشكلة الحرب والسلام لا ترتبطان بموريتانيا وحدها، ويتوجب النظر إليهما في كل مناحيهما الحالية والمستقبلية، ويتطلبان التحليل بأقصى قدر من الجدية والحيطه،

إذا كان الاقتصاد المرهون بشكل كبير بالسلام في شبه المنطقة وبالاستقرار الداخلي وبالتالي محكوم عليه بالمضي مع التيار،

لا يكون أمامنا إلا العدالة والمساواة الاجتماعية اللتان بإمكانهما وعليهما أن تستحقا البحث عنهما والحصول عليهما بموازاة مع الجهود الساعية إلى إحلال السلام. والحقيقة أن السلام والاقتصاد مرتبطان بدرجة التزام ووطنية الموريتانيين. فكلما أحسوا بأنهم موحدون ومتساوون، يكونون أكثر استعدادا للإنتعاش.

لكن طالما لم تكن هناك مسافة واضحة من كل ما طبع النظام المخلوع، فإننا سنعيش "الاستمرار في ظل التغيير".

وهنا تظهر حاجة اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني لبناء عملها على أسس متينة وشعبية حيث تكمن أهمية النصوص الأساسية للآفاق، والجدية التي بها سيتم اختيار اللجنة الاستشارية المكلفة بوضعها. وبهذا فقط يكون "ضمان الحريات الجماعية والفردية" ليس مجرد تمنيات بعيدة المنال.

أما بالنسبة "للمشكل" الديني، فمن المشجع أن نلاحظ أن الإسلام، الخاضع للنظام السابق، ستعيده اللجنة العسكرية للانقاذ الوطني إلى ما يتميز به من "طهارة، وكرم، ونكران للذات، وانفتاح وصرامة أخلاقية". لأنه لن يكون أبدا طاهرا ولا كريما ما دام البعض، باسمه، يواصل أكثر الأفعال شناعة: الرق.

لهذا السبب، أخي العزيز، فأنت مدعو لأن تقدم المساندة القوية للجنة العسكرية للإنقاذ الوطني التي تبدو، في مقاربتها، مهتمة بمآلك، مع إرادتها في البحث له عن حل طال انتظاره.

هلا يمكنك أن لا تشعر بخيبة الأمل، مرة أخرى، لعلك تلتزم، ضمن موريتانيا رصينة ومتحررة من كل عقبة، بمهمة الإنعاش الوطني البهيجة  التي تقوم بها اللجنة العسكرية للانقاذ الوطني!.

في كل الحالات، فإن اليقظة تظل مطلوبة.

تحيا الحرية من أجل أن تحيا الجمهورية الإسلامية الموريتانية موحدة لا تتجزأ.

أخوك.