موقع بريطاني: ضرب وتعذيب بعض الأمراء المعتقلين في السعودية

جمعة, 10/11/2017 - 17:41

أكد الصحافي البريطاني، ديفيد هيرست، مدير موقع “ميدل إيست آي” أن بعض كبار الشخصيات (من أمراء ووزراء حاليين وسابقين) المعتقلين ضمن حملة التوقيفات التي شهدتها السعودية، قبل نحو أسبوع، “تعرضوا للضرب والتعذيب بشكل سيئ خلال اعتقالهم أواستجوابهم لاحقا، مما أدى إلى نقل بعضهم للعلاج في المستشفى”.

وأكد في مقال على الموقع، نقلا ً عن مصادر داخل الديوان الملكي “أن حملة القمع التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكبر بكثير مما تعترف به سلطات المملكة، وأن “عدد المعتقلين تجاوز 500 شخص وبلغ عدد الذين تم التحقيق معهم ضعف ذلك”.

وأوضح هيرست “أن بعض، وليس جميع، الشخصيات الكبيرة التي أوقفت عوملت دون غيرها بوحشية شديدة وتكبدت جراحا في مختلف أنحاء البدن تحت وطأة ألوان من التعذيب التقليدي. إلا أن وجوههم لم تصب بجراح حتى لا تظهر عليهم بعد أن يظهروا للعلن لاحقا أي علامات تدل على التعذيب والامتهان الذي تعرضوا له”.

وأكد أن “المعتدى عليهم تعرضوا لتعذيب حتى يكشفوا عن تفاصيل حساباتهم البنكية”.

وقال إن “السعودية تستخدم الفوضى كسياسة في جوارها القريب، سواء في العراق أو في سوريا أو في اليمن، لكنها الآن تطبق نظرية الفوضى في الداخل، ولا أحد يدري على وجه التأكيد، ولا حتى الأمير (محمد بن سلمان) نفسه، إلى أين ستؤول الأمور بعد ذلك”.

 وأشار هيرست إلى أن الأعمدة الأساسية التي قامت عليها المملكة، المتمثلة في “وحدة عائلة آل سعود، والهوية الإسلامية للدولة، وطبقة رجال الأعمال المزدهرة والموالية للحكم، تعرضت للتقويض بشكل آني ومتزامن.

وأكد أن تقويض تلك الأعمدة الأساسية أدى إلى “تعاظم الخطر المحدق بالمملكة، وبات احتمال انهيارها وغرقها في الرمال كبيرا جدا.”

‎وروى هيرست “أن حالة من الذعر تسود العاصمة السعودية، الرياض، وخاصة في أوساط الشخصيات التي كانت تحسب على نظام الراحل الملك عبد الله الذي توفي عام 2015، وذلك بسبب حملة التطهير التي تشن منذ السبت الماضي، التي جاءت بعد حملة سبقتها استهدفت عددا من رجال الدين والكتاب والاقتصاديين والشخصيات العامة”.

وأضاف “‎يخشى كثيرون أن يكون وراء هذه الإجراءات القمعية تحرك لمحمد بن سلمان بهدف سحق جميع منافسيه ومعارضيه داخل وخارج العائلة السعودية، قبل أن يحل محل والده البالغ من العمر واحدا وثمانين عاما”.

‎وأشار إلى أن “أنباء انتشرت أمس الأربعاء تقول إنه أطلق مساء الأربعاء سراح سبعة من الأمراء كانوا محتجزين في فندق ريتز كارلتون في الرياض منذ أن أوقفوا السبت الماضي. ولكن حسب مصادر ميدل إيست آي فقد تم نقل الأمراء إلى قصر الملك”.

وأكد أن من بين المعتقلين ريم، ابنة الوليد بن طلال، المرأة الوحيدة التي ذكر أنها استهدفت في هذه الحملة (حتى الآن).

‎وذكر أن “محمد بن نايف، ابن عم ولي العهد، الذي مازال تحت الإقامة الجبرية، فقد جمدت أرصدته حسبما أوردت وكالة رويترز للأنباء. كما تم إيقاف أبناء سلطان بن عبد العزيز وجمدت أرصدتهم وممتلكاتهم. ‎ومن أشهر أبناء سلطان الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن ونديم الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش”.

وقال هيرست إنه “‎لا توجد معلومات حول ما آل إليه مصيره، إلا أن السلطات السعودية قالت إن إحدى قضايا الفساد التي يجري التحقيق فيها هي صفقة أسلحة اليمامة التي كان الأمير بندر ضالعا فيها. ‎وكان الأمير بندر قد اشترى قرية بأكملها في كوتسوولدز، ذات الجمال الطبيعي الفاتن في وسط إنكلترا، كما اشترى عقارا مساحته ألفا فدان يشتمل على مضمار لسباق الخيل، وذلك بجزء من المال الذي تلقاه كرشاوى وعمولات في صفقة أسلحة اليمامة، التي جنت منها مؤسسة بي إيه إي البريطانية لصناعة الأسلحة، ما يقدر بثلاثة وأربعين مليار جنيه استرليني، أي ما يعادل ستة وخمسين مليار ونصف المليار دولار على شكل عقود لتزويد المملكة بطائرات مقاتلة. ‎ويُزعم بأن ثلاثين مليون دولار (أو ما يعادل خمسة عشر مليون جنيه استرليني) أودعت في حساب الدولار العائد للأمير بندر في مصرف “ريغز بانك” في واشنطن، ونجم عن ذلك تحقيقات في قضايا الفساد في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، رغم أن القضية أسقطت في بريطانيا وأغلق ملفها في عام 2006 بعد تدخل من رئيس الوزراء توني بلير”.

‎ولكي يحول دون هرب أي أحد، أمر محمد بن سلمان بتجميد الحسابات البنكية الشخصية، وقد بلغ عدد الحسابات التي أغلقت وعدد أولئك الذين منعوا من السفر عدة أضعاف عدد الذي أوقفوا واعتقلوا، بحسب ما علمه “موقع ميدل إيست آي” من مصادر مطلعة في الرياض.

 و‎لم يتوقع أحد حملة قمع بهذا الحجم، وأن تكون موجهة ضد أمراء بهذا العمر والمقام داخل بيت العائلة السعودية الحاكمة، وهذا ما يفسر ضبط كثير ممن اعتقلوا على حين غرة ودون أن تتاح لهم فرصة للهرب.

تطور غير مسبوق في تاريخ آل سعود

وأشار الكاتب أنه ‎لم يسبق في التاريخ المعاصر للمملكة أن تعرض أعضاء في العائلة الحاكمة لحملة تطهير كهذه، ولهذا فقد أتت هذه الحملة على أواصر الوحدة العائلية التي ضمنت استقرار الدولة منذ تأسيسها فحطمتها.

‎وأشار أنه ربما كان آخر حدث بهذا الحجم هو الانقلاب على الملك سعود من قبل شقيقه الأمير فيصل في عام 1964، حين أمر الأمير فيصل في مرحلة حرجة من تلك الملحمة الحرس الوطني بمحاصرة قصر الملك، إلا أن الملك نفسه لم يتعرض للتشهير أو الامتهان، ‎بل كان خروجه من البلاد مهيبا، حيث وقفت جميع الشخصيات الكبيرة، بما في ذلك فيصل نفسه، لتوديعه في المطار بكل احترام.

‎وكان محمد بن سلمان قد تعهد قبل أن يصبح وليا للعهد قائلا: “ليكن معلوما لديكم، لن ينجو أحد في قضية من قضايا مكافحة الفساد – أيا كان ذلك الشخص، حتى لو كان أميرا أو وزيرا.”

‎ولكن الذي حدث هو أن أبناء جميع الرجال الأساسيين الأربعة في بيت آل سعود، الذين شكلوا العمود الفقري للعائلة خلال العقود الأربعة الماضية، قد استهدفوا بحملة التطهير، وهؤلاء هم أبناء الملك فهد بن عبد العزيز والملك عبد الله والأمير سلطان والأمير نايف.

‎ولا شك أن ذلك يمثل هجوما غير مسبوق على موقع وثروة أعمدة آل سعود، بما في ذلك الشخصيات الثلاث الأبرز في فخذ السديري من قبيلة آل سعود الحاكمة.

‎الملك سلمان واحد من سبعة أشقاء سديريين، وهي المجموعة التي هيمنت على مقاليد الأمور في المملكة خلال الأربعين سنة الماضية. والسديري الآخر الذي مازال على قيد الحياة هو الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي تعرض للتهميش.

‎لم ينل سلمان العرش إلا لأن اثنين من أشقائه، سلطان ونايف، توفيا أثناء ولاية كل منهما للعهد.

‎وأشار هيرست أنه حتى وصوله إلى العرش كان فلتة كما كتب من قبل في ميدل إيست آي، حيث إن الملك عبد الله كاد قبل أن يتوفى أن يوقع على مرسوم ملكي ينزع ولاية العهد من سلمان. إلا أن ذلك المرسوم لم يقدر له أن يرى النور.

 ‎إهانة لا تغتفر في عرف البدو لا يمحوها إلا الانتقام

  وأكد الكاتب أنما ارتكبه محمد بن سلمان من اعتداء على أبناء عمه في تراث البدو أمرا معيبا لا ينسى ولا يغتفر، وسوف تظل الإهانة التي تعرضوا لها وتجميد ممتلكاتهم في نظر من يعيش من أقراد عائلاتهم طعنة في شرفهم، وعارا يتحتم عليهم أن يثأروا ممن جلبه عليهم.

‎إلا أن هجوم ولي العهد على كبار رجال الأعمال لا يقل خطورة عن ذلك، فأحد الذين شملتهم حملة التوقيف والاعتقال يوم السبت الماضي بكر بن لادن، رئيس أكبر شركة إنشاءات سعودية، التي كانت تناط بها مهمة إدارة أضخم مشاريع الإنشاءات على مدى عقود من خلال سلسلة عقود مقاولات، يكلف بعضها لمقاولين أصغر كان يدفع تكاليفهم من شركته بشكل مباشر.

 ‎يبلغ ابن لادن من الثراء ما يمكنه من امتصاص هذه التكاليف، قبل أن يقوم هو بدوره” برشوة “المسؤولين في الحكومة ليدفعوا له على العمل الأصلي وعلى العقد الذي كانوا قد وقعوه معه.

‎ولكن حينما تقصي الرجل أو الشركة التي تتربع على هرم المقاولين التي تكلف وتدفع لمن تحتها في الهرم، فلن يتلقى أحد دونه في الهرم أتعابه، وفي هذا مجازفة خطيرة قد ينجم عنها حالة من الفوضى العارمة التي ستجتاح قطاع الإنشاءات بأسره. والشيء نفسه حصل مع شركة سعودي أوجيه، الشركة التي تعود ملكيتها إلى سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، التي أعلنت إفلاسها في الحادي والثلاثين من شهر يوليو (تموز) من هذا العام.

 الطريفي وزير الإعلام السابق ورئيس تحرير “الشرق الأوسط” الأسبق من المعتقلين  

‎وأشار هيرست أن حملة التطهير الأخيرة بعض الوزراء الذين عينهم محمد بن سلمان بنفسه، ‎ومنهم عادل فقيه، وزير التخطيط والاقتصاد السابق، الذي كان رأس الحربة في تنفيذ مشروع الخصخصة الذي جاء به محمد بن سلمان ضمن ما يسمى برؤية 2030.

‎كما كان له دور مفصلي في الإعلان عن “نيوم”، المشروع المقترح لإنشاء مدينة ضخمة، وهو المشروع الذي تدعمه الحكومة بما يقرب من خمسمائة مليار دولار، الذي من المفروض أن ينفذ على ساحل البحر الأحمر.

‎ومن المعتقلين كذللك عادل الطريفي، وزير الإعلام (رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” الأسبق، والذي عينه ولي العهد بنفسه.

‎وبحسب الكاتب فمن سخريات القدر أن الإعلان عن مشروع “نيوم” كان قد جرى في فندق “ريتز كارلتون”، وهو المكان نفسه الذي يحتجز فيه المعتقلون منذ اعتقالهم يوم السبت الماضي.

‎بعد هذا الذي حدث، ربما يتساءل كثيرون من زملاء محمد بن سلمان كم بقي لهم من الوقت قبل أن ينقض الأمير الطامح والشرس عليهم هم أنفسهم.

المملكة إلى أين ؟

‎ولذلك يرى أحد المحللين بأن محمد بن سلمان، بعد أن ضرب الأسس التي تقوم عليها وحدة العائلة، وبعد أن وجه ضربة لكبار رجال الأعمال واستهدف علماء الإسلام المستقلين وكبار الشخصيات العامة، ها هو يوجه مدافعه إلى الأعمدة التقليدية للدولة السعودية.

‎وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مصدر مطلع في الرياض الليلة الماضية: “حتى وقت قريب، استخدمت المملكة العربية السعودية الفوضى كسياسة في جوارها القريب، سواء في العراق أو في سوريا أو في اليمن. لكنها الآن تطبق نظرية الفوضى في الداخل، ولا أحد يدري على وجه التأكيد، ولا حتى الأمير نفسه، إلى أين ستؤول الأمور بعد ذلك”.

‎وأضاف المصدر: “قام الاستقرار في المملكة على ثلاثة أعمدة: وحدة عائلة آل سعود، والشخصية الإسلامية للدولة، وطبقة رجال الأعمال المزدهرة والموالية للحكم. أما الآن، وقد تعرضت الأعمدة الثلاثة للتقويض بشكل آني ومتزامن، فقد تعاظم الخطر المحدق بالمملكة وبات احتمال انهيارها وغرقها في الرمال كبيرا جدا.”