موريتانيا: هل يمكن القيام بالتمييز الإيجابي لصالح لحراطين ؟

اثنين, 19/02/2018 - 10:24

صوتت الجمعية الوطنية الموريتانية بالإجماع ، مساء الاربعاء 8 أغطس 2007، بعد يومين من النقاش و ألمداولات علي "القانون الذي يجرم العبودية و المعاقب للممارسات ألاستعبادية

  

وقد طالب العديد من البرلمانيين ألحكومة خلال الجلسات ألعلنية ان تتجاوز النص الي العمل ألملموس "ان القانون ضروري بدون شك، إلا ان القضاء على الممارسات ألاستعبادية يتطلب ألمزيد أكد البرلمانيون، الذين طالبوا بشدة  "باتخاذ اجراءات تهدف الى ارتقاء ضحايا الرق الي المستوى  ألاقتصادي

 

واقترح بعض النواب "تشييد البنى التحتية في آدوابه والبعض ألآخر صندوقا لمساعدة أبناء ألعبيد الاكثر هشاشة علي الصعيد الاقتصادي. وقد دعا في هذا الصدد، رئيس حزب حاتم و نائبه في ألجمعية، صالح ولد حننه، بشكل واضح إلى "التمييز الايجابي لصالح ضحايا ممارسات الرق.

 

 

التهميش في مجالات التنمية والتعليم والثقافة...

 

كما دعا حزب تواصل (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية)، ذات الميول الاسلامي و أول قوة سياسية للمعارضة من حيث التمثيل ألبرلماني وهو حزب يضم كذلك 100.000  عضوا، الي التميز الايجابي.

 

وقد أصدر تواصل في يوليو 2010، وثيقة من 12 صفحة حول "رؤيته للرق ومخلفاته في موريتانيا".

 

واقترح الحزب الاسلامي المعتدل في هذه ألوثيقة "سياسة للتمييز الإيجابي لصالح العبيد السابقين في مجالات التنمية والتعليم والثقافة والصحة، بما في ذلك منح أولويات لمجموعات هذه الشريحة وتوجيه الموارد اليها و تحفيزها المادي لتوجيه أبنائها إلى ألتعليم

 

 

التمييز ضد الطبقات المحرومة

 

يتضمن أيضا برنامج المرشح محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية في يوليو 2009، مسألة "إدخال التمييز الإيجابي لصالح الفئات المحرومة".  تري فمن هو المستهدف وراء عبارة "الطبقات المحرومة"؟

 

 

كما يوجد في برنامج المرشح محمد ولد عبد العزيز، الذي انتخب 2009 وأعيد انتخابه في 2014، تلميح ضمني "لآليات ملائمة تهدف الي تحسين الظروف المعيشية للفئات الاجتماعية الهشة وضحايا مخلفات  الرق من أجل القضاء علي الفوارق الاجتماعية".

 

 

كما تتطرق باستمرار، برامج وخطابات  وتدخلات الفاعلين السياسيين الموريتانيين ألآخرين الي  فكرة "التمييز الايجابي لصالح لحراطين وأحفاد العبيد، دون اعطاء المزيد من التفاصيل حول طبيعتها وآلياتها ... ومن اجل تعميق النقاش، أجرينا مقابلات مع مثقفين موريتانيين.

 

ألأستاذ إعلي ولد المصطفى، كاتب، أكاديمي، باحث

 

"مثل نزيف الوقت لموليير"

 

 

 

يعتبر التمييز الإيجابي معاملة تفضيلية لفئة من الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز. ان آثار التمييز الإيجابي معروفة كما هو الحال أيضا لتأثيراتها على الفئة المحددة.

 ومع ذلك، فيجب علي أي تمييز إيجابي ان يأخذ بعين الاعتبار السياق القائم.

ان تنفيذ التميز الايجابي لا يمثل عائقا، وانما  تكمن المشكلة في قدرة أولئك المكلفين بوضعه. ان موريتانيا لا تزال تتجنب ألاعتراف سواء في الواقع أو من الناحية القانونية، بوضع اقتصادي واجتماعي متمايز للحراطين.

 

كما ان النظام السياسي يتباطأ في الاعتراف بأي خصوصية، اللهم إن لم يكن من خلال مفهوم الرق، الخالي من أي انعكاسات اقتصادية واجتماعية، إن لم تكن إرادة، تمت ترجمتها قانونيا في محاربة مخلفات الرق (وليس بالضرورة العبودية، التي تعتبر فكرة غير توافقية لدي مكونة البيض)

 

ففي البلدان التي يحظي فيها التمييز الإيجابي بالاعتراف، يتم ذلك من خلال ثلاث خطوات أساسية: الاعتراف القاطع من طرف السلطة السياسية بضرورة تطبيقه. ثم، الطبيعة الواضحة للحالة الاجتماعية والاقتصادية للمستفيدين. وأخيرا، واقع التمايز.

 

الا انه، بالنسبة للخطوة الأخيرة، لا ينظر الي التفكير في التمييز الإيجابي في بلد ما، كموريتانيا حيث يعاني غالبية السكان (جميع الأعراق والطبقات والقبائل ) من البؤس والصعوبات الاجتماعية الظاهرة، فضلا علي أنه عمل مفيد يستحق التصفيق، بل ارادة في اعطاء لحراطين اعتبارا على حساب بقية السكان، مع ما يترتب علي ذلك من  ردود الفعل في البلد، حيث لن يساهم بالتأكيد المنطق السليم ولا التسامح ولا التعليم في تحفيز التمييز إلايجابي لصالح  لحراطين

 

وباختصار، فإن التمييز الإيجابي هو أسلوب يلبي شروطا لا تتوفر بالكامل في موريتانيا. وأخيرا، فان التمييز الإيجابي يشكل عبئا اقتصاديا وماليا هاما.

 

لذلك، يجب ان يحظي بالتخطيط و ان ترصد له ميزانيته، مع تطبيقه علي ارض الواقع، في اطار السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة (على سبيل المثال: مدارس الدعم، تعليم الكبار، معلمين مندوبين، هياكل تأطير لحراطين من اجل الشغل والتكوين الفني و المهني ...الخ).

 

 

ان تنفيذ التمييز الإيجابي غير ممكن بين عشية وضحاها. فلا بد من تعبئة عدد كبير من خدمات الدولة والإدارة العامة (في جميع المجالات).

 

 

مما يعني القيام بوضع إستراتيجية طويلة الأجل وخطة عمل سنوية وإدارة مختصة، وميزانية للاستثمارات المتكررة وتعبئة موارد إضافية لتنفيذ الاستراتيجية وخطط العمل.

 

هل توجد إرادة سياسية في موريتانيا لتنفيذ كل هذا المسار؟  ان عدم الكفاءة والمحسوبية، والفساد تمثل بادئ ذي بدء، كلها حواجز فعلية لا يمكن تجنبها.

 

 

إلا انه من الواجب، علي الأقل طرح اشكالية التميز الإيجابي، تمسكا بالامل في ايجاد حل، للتمهيد لمخرجات أخري، تحظي بقبول في السياق الموريتاني، الإقطاعي و القبلي و العشائري و الذي يخضع لهيمنة نظام يزرع الانقسامات لتعزيز قبضته.

 

وفضلا علي ما سبق، فهو حكم يجعل من قضية "لحراطين"، أداة لتسيير ذلك التقسيم.

 

ولذلك فانه لن يبحث عن حل لوضعية يديرها بطريقة ميكافيلية، تكرس مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

 

تلك هي مع الأسف، الحقيقة المحزنة. واقع موريتاني، حيث تشبه تقنية التمييز الإيجابي، نزيف زمن موليير، الذي قد يؤدي الي موت المريض

 

إدومو محمد ليمين عباس، أستاذ في الآداب، كاتب

 

"يمثل التمييز الإيجابي حلا إذا ... "

 

قد يمثل التمييز الإيجابي حلا إذا تم تطبيقه في مجالات، من شأنها أن تلعب دورا هاما في اعادة هيكلة المجتمع في الأجلين المتوسط ​​والطويل، على أساس المساواة: التعليم والصحة والائتمان الزراعي والشغل والولوج إلى وسائل الإنتاج...

 

إلا انه حسب التصور السائد لدي البعض اليوم (تخصيص حصص في المناصب الإدارية وغيرها)، لن يستفيد  من سياسة التمييز الإيجابي إلا العدد الضئيل من نخبة لحراطين، مما يعني حرمان الغالبية الكبري من المهمشين.

 

 

ولد عمير محمد فال، مؤرخ، صحفي

 

"تجنب الوصمة"

 

ان أي جهد يتم بذله اتجاه التمييز الإيجابي لصالح لحراطين، يخدم قضية التحرر ويصحح الأخطاء المتراكمة.

 

ولكن تشترط تلك الجهود مرافقتها بالعمل الصارم والهادف الي تكريس تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والإنصاف في توزيع الممتلكات المشتركة.

 

انه من الواجب علينا السعى إلى تطبيع الروابط  والسلوكيات لتجنب الوصمة، بحجة تمكين سد الثغرات المتولدة عن تاريخ طويل من الاستعباد.

 

 

كورمو أبدول لو، أستاذ قانون،جامعي

 

لمجتمع مهيمن"  "مطلب

 

أن مفهوم التمييز الإيجابي، يعني أن الدولة قررت، علي ضوء إدراكها للانعدام العميق للمساواة، الذي تعاني منه احدي مكونات المجتمع، بسبب وضعية  تاريخية موضوعية ذات الطبيعة المتنوعة، اتخاذ تدابير تصحيحية، تهدف الي حصر ثم محو تلك الفوارق  

 

إن مسألة انعدام المساواة التي تعاني منها مجموعة لحراطين، تمثل اجابة لذلك المطلب، خصوصا بوصفها المكونة الاكثر من مجتمعنا من الناحية الديموغرافية ومن حيث القوى العاملة.

كما ان احد مسببات تلك الفوارق، تعود الي حقيقة أن لحراطين موضع الكثير من الانطباعات  المسبقة، فضلا عن كونهم ضحية ضعف نفوذهم في القرارات

 

وهذا يعني أنه من الضروري اتخاذ إجراءات عملية مختلفة للتصحيح، لإدراجها في الدوائر الاقتصادية الاستراتيجية (صندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التسهيلات المصرفية، التسهيلات للولوج للملكية العقارية،....الخ).

 

كما يجب اضفاء مواقف سياسية مهيمنة من قبيل الصنف التشاركي (مثل تلك التي تتمتع بها المرأة من حيث الجوانب الانتخابية).

 

 

خليلو ادياغانا

 

تم انجاز الملف في اطار مشروع "حرية، قانون وعدالة: محاربة  الرق عن طريق النسب في موريتانيا" بالوزارة الخارجية الأمريكية