“الفقر” و”الهواتف المحمولة” يُسدلان الستار على مهنة “الساعاتي” في غزة

خميس, 20/10/2016 - 20:29

 يُحدّق الفلسطيني فايق نصر (56 عاماً)، النظر عبر “عدسة مُكبِّرة”، يثبّتها على إحدى عينيه، بينما يشرع بوضع عقارب “دقيقة” الحجم، لساعة باهظة الثمن، في مكانها الصحيح.

وداخل ورشته الصغيرة، شرقي مدينة غزة، يجلس “الساعاتي” نصر، وراء مكتبه “المُتهالك”، واضعاً أمامه علباً بلاستيكية، ممتلئة “بقطع″ تعود لساعات يد قديمة، يبحث بينها عن قطعة تصلح لأن تكون مؤشراً لأرقام الساعة.

وبواسطة “ملقط” حديدي “حاد” الزوايا، يمسك نصر قطعة “المؤشر” التي عثر عليها ويتفحُّصها عبر عدسته المُكبّرة، قبيل إلصاقها في مكانها داخل هيكل الساعة.

و”الساعاتي” هو الشخص الذي يعمل في مهنة “تصليح” الساعات المُعطّلة، أو صناعتها عن طريق تجميع القطع السليمة من الساعات المعطّلة، وإعادة تكوينها في واحدة “جديدة”.

وورث نصر مهنة “الساعاتي” عن والده، الذي افتتح أول ورشة له لتصليح الساعات، في مدينة يافا، شرقي فلسطين التاريخية، عام 1932.

وبعد أن هاجر نصر وعائلته عام 1948 من يافا إلى قطاع غزة، عقب نكبة فلسطين، افتتح ورشة جديدة ليكون “ثالث” ساعاتي في القطاع، كما قال لـ”الأناضول”.

وبدأ نصر العمل كمساعد لوالده الساعاتي، منذ أن كان في الثالثة عشر من عمره، عام 1967.

ورغم قلة العمل، يقضي العجوز الفلسطيني أوقاته طيلة أيام الأسبوع بين الساعات الصامتة المعلّقة على جدران ورشته، مستغلّا بعض الوقت في تصنيع ساعاتٍ جديدة من قطع قديمة.

وقال: “إن الساعات القليلة التي تصلني للتصليح أو تعديل بعض القطع فيها، تكون بالغالب من ماركات عالمية”.

ومع ارتفاع مستوى الفقر في قطاع غزة، يتجه الفلسطينيون لشراء الساعات “الصينية” ذات السعر المنخفض، بدلا من الساعات العالمية كـ”السويسرية”، بحسب نصر.

وتابع:” المواطنون بغزة لم يعودوا يهتموا بماركات الساعات التي يرتدونها، يريدون فقط معرفة الوقت، فيكتفون بالساعات المصنّعة بالصين، ذات السعر الزهيد جدا”.

ولفت إلى أن الأشخاص الذين يقتنون الساعات الصينية، رخيصة الثمن، لا يكلّفون أنفسهم عبء تصليحها، بل يستبدلونها بأخرى.

وأشار أن أكثر الفئات العمرية التي لا زالت تتمسك بعادة “اقتناء الساعات”، هم الكبار في السن، وبعض الشباب، الذين يجدون من “الساعة” عنصراً مكمّلاً للأناقة.

وذكر أن انتشار استخدام الهواتف المحمولة، ساهم في تقليص توجه المواطنين لاقتناء الساعات، إذ يعتمدون في معرفتهم للوقت على الساعات الرقمية الموجودة في تلك الهواتف.

ويقضي نصر يومه داخل ورشته في تصليح ساعة أو ساعتين، فيما كان قبل (10 سنوات)، يصلح ما يزيد عن 10 ساعات في اليوم الواحد.

وتابع:” كان يأتي الزبون لتصليح ساعته، فنخبره بأن يعود لاستلامها جاهزة بعد أسبوع على أقل تقدير، أما اليوم يضعها للتصليح في الصباح الباكر، ويستلمها بعد ساعات قليلة”.

وبدأت مهنة الساعاتي بالاندثار التدريجي منذ نحو (10 سنوات)، إذ يشكو العاملون في المهنة شبه انعدام العمل، بسبب تفشي الفقر بين سكان قطاع غزة، وانتشار استخدام الهواتف المحمولة.

ولا تتوفر إحصائية لعدد العاملين في مهنة “الساعاتي” بقطاع غزة، إلا أن معظمهم تركوا هذه المهنة وتوجهوا لأعمال أخرى لتوفير احتياجات أسرهم.

 

وحسب إحصائية رصدتها الهيئة الوطنية لكسر الحصار وإعادة الإعمار، فإن نسبة الفقر المدقع في قطاع غزة تجاوزت الـ(40)%، كما ارتفعت نسبة البطالة لأكثر من(45%).

وخلال السنوات العشر الأخيرة، التي تزامنت مع انتشار الهواتف المحمولة، تقلّص الدخل الشهري الذي يعود على “الساعاتي” بنحو (90)%، حسب نصر.

وكان الدخل الشهري للساعاتي يصل إلى (1000) شيكل أي ما يعادل ( 263 دولار أمريكي)، أما اليوم فقد يصل إلى (200) شيكل فقط أي ما يعادل (50 دولار).

وفي ذات السياق، يقول عاطف أبو جراد، (45 عاما) وهو عاطل عن العمل، إن تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم توفر فرص العمل، يمنعانه من تجديد ساعته “الرقمية” التي اشتراها قبيل سنة على الأقل، بمبلغ لـ(2 دولار تقريبا).

ورأى أن المواطن الفلسطيني بغزة، يفضّل أن يدفع ثمن شراء ساعة يد مكمّلة للأناقة، لشراء أسياسيات الحياة.

وأضاف:” نحن هنا لا نتمسك بعادة، أو نبحث عن أناقة، في ظل انعدام فرص الحياة الكريمة”.

ويعيش حوالي 2 مليون مواطن في قطاع غزة واقعا اقتصاديا وإنسانيا قاسيا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي المستمر لعامه العاشر على التوالي.