موريتانيا قلقة بسبب اهتزاز جارتها مالي

اثنين, 09/06/2025 - 00:26

بينما أعلنت مجموعة «فاغنر» الروسية نهاية مهامها رسميًا في مالي، ليشغل «الفيلق الإفريقي» الروسي مكانها، سارع كثيرون لاعتبار ذلك بداية انسحاب روسي من المنطقة، لكنّ الواقع على الأرض يكشف أن الأمر لا يعدو كونه تموضعًا جديدًا أكثر تنظيمًا وعمقًا.
وفي خضم هذا التحول، تبرز موريتانيا جارة مالي الملتصقة كدولة تتابع المشهد بقلق بالغ، مدركةً أن تفاقم الأزمة في مالي لم يعد شأناً داخليًا ماليا صرفًا، بل بات عامل تهديد مباشر على أمنها واستقرارها الحدودي.

من فوضى فاغنر إلى هندسة الفيلق

بعد تمرد قائد فاغنر يفغيني بريغوجين عام 2023، قررت موسكو إعادة صياغة وجودها العسكري في إفريقيا، فأنشأت «الفيلق الإفريقي» كقوة نظامية تحل محل فاغنر.
وتحدثت تقارير ميدانية وثّقت في الأشهر الأخيرة، وصول دبابات T-72B3، وآليات BMP-3، وأكثر من 50 آلية مدرعة إلى مالي، مع نشر نحو 2000 عنصر ضمن هذا التشكيل الجديد، الذي يتمركز في باماكو ومواقع حيوية بالوسط والجنوب.
ويشرف على الفيلق ضباط روس كبار، أبرزهم نائب وزير الدفاع «يونس بك يفكوروف»، في وقت تشعر فيه نواكشوط بالقلق من عسكرة المشهد على حدودها الشرقية، خاصة في ظل غياب حل سياسي حقيقي في باماكو.

أسباب القلق

الحقيقة أن روسيا لم تغادر مالي، بل كثّفت وجودها تحت مظلة رسمية، فالفيلق الإفريقي الذي يضم حتى الآن ما بين 40 إلى 45 ألف عنصر موزعين على خمس دول، صار عنصرًا ثابتًا في معادلة الساحل.
لكن موريتانيا، التي تمسكت منذ البداية بمبدأ الحياد وعدم الزج بجيشها في نزاعات الجوار، تقرأ المشهد من زاوية مختلفة: التدهور الأمني المتسارع في مالي قد ينسف سياسة التوازن التي تنتهجها نواكشوط منذ سنوات.
وفي منطقة لا ترحم المترددين، تدرك موريتانيا أن حدودها مع مالي قد تتحول من مجرد خط جغرافي إلى خط تماس أمني في أية لحظة. فبين فوضى الجماعات المسلحة، وتموضع روسي جديد، وصراع نفوذ دولي يتكثف يوماً بعد يوم، يبقى القلق الموريتاني ليس فقط مبررًا، بل سيبقى إنذارًا مبكرًا لبقية المنطقة.
توجد باماكو اليوم على حافة انقلاب جديد كما هو دأبها دائمًا؛ فالتقدم الجهادي وانهيار تماسك الجيش المالي والصراع بين الفرقاء، كل هذا يضعها مجددًا على حافة انقلاب عسكري.
وتشير التقارير إلى احتمال تحرك من داخل المؤسسة العسكرية، بدعم روسي جزائري، وصمت دولي، ومباركة ضمنية من أطراف أزوادية.
وقد كشف انسحاب قوات «فاغنر» الروسية من مالي عن عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة المالية، كما سلط الضوء على محدودية فعالية الحلول الأمنية المستوردة؛ فمنذ بداية الاعتماد على هذه المجموعات المسلحة، ساد وهم القدرة على شراء الاستقرار بقوة السلاح، لكن الواقع أثبت أن الجيوش الأجنبية لا تصنع الأمان، ولا الميليشيات قادرة على خلق انسجام وطني في ظل فشل سياسي داخلي ممتد منذ سنوات.