موريتانيا تحصل على تعهدات تمويلية عربية بقيمة ملياري دولار

أربعاء, 18/06/2025 - 18:28

في خطوة تعكس اهتمامًا متزايدًا من مؤسسات التمويل العربية بدعم جهود التنمية في موريتانيا، قدمت مجموعة التنسيق العربية التي تضم صندوق أوبك للتنمية الدولية، والبنك الإسلامي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق السعودي للتنمية، تعهدات تمويلية بقيمة ملياري دولار أمريكي لصالح التنمية الاقتصادية في موريتانيا، ممتدة على مدى الفترة ما بين 2026 و2030.
وجاء الإعلان عن هذه التمويلات أمس من طرف المكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية الذي أكد في إيجاز إخباري “أن هذه التعهدات تقررت خلال طاولة مستديرة رفيعة المستوى احتضنها مقر صندوق الأوبك للتنمية الدولية في فيينا، بحضور الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ومساعديه في قطاع الاقتصاد والمالية، وبمشاركة ممثلي عشر مؤسسات مالية عربية”.
وشهدت الطاولة المستديرة عرضًا لمحفظة المشاريع التي تعتزم نواكشوط تنفيذها في إطار المخطط الخماسي الثالث (2026–2030)، كما شهدت عرض برنامج الاستثمار العمومي للفترة 2026–2028، الذي يشمل قطاعات البنية التحتية، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والزراعة، والنقل، بالإضافة إلى برامج تنموية موجهة للولايات الداخلية والعاصمة نواكشوط.
وتم الاتفاق بين موريتانيا والأطراف المتعهدة على اعتماد آلية تنفيذ تعتمد على تنسيق دوري بين الحكومة الموريتانية ومجموعة التنسيق العربية، تشمل تقييمات مرحلية وربط صرف دفعات التمويل بمدى التقدم في تنفيذ المشاريع والإصلاحات المرتبطة بالحوكمة الاقتصادية.
وتُعد هذه الآلية اختبارًا لقدرة الدولة الموريتانية على تحويل التمويلات إلى مشاريع ملموسة ومستدامة.
فبينما يشكل هذا الدعم دفعة قوية لمشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية، برزت في المقابل دعوات من أطراف دولية ومحلية إلى ضرورة إرساء إصلاحات مؤسسية عميقة تضمن فعالية الاستفادة من هذا التمويل.
وفي كلمة له خلال افتتاح الطاولة، ثمّن الرئيس الموريتاني دعم المؤسسات المالية العربية لبلاده، مشيرًا إلى رغبة حكومته في تعزيز الشراكة بما يخدم أهداف التنمية المستدامة.
وأكّد ولد الشيخ الغزواني “التزام موريتانيا الثابت بدعم التعاون الدولي وتعزيز الشراكات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”، مشيدًا بالدور المحوري الذي يقوم به صندوق أوبك للتنمية الدولية في دعم جهود التنمية في البلدان النامية، بما في ذلك موريتانيا.
وعبّر الرئيس الموريتاني عن تثمينه للطاولة المستديرة “فيينا 2025″، المنظمة من طرف صندوق أوبك مؤكداً أنها شكلت “منصة رفيعة لتبادل الرؤى حول سبل تعزيز التعاون الدولي لخدمة التنمية المستدامة، في وقت يمر فيه العالم بمنعطف حاسم يعيد صياغة بعض القواعد والمبادئ، في ظل تنامي التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويتطلب تعزيز التكامل وتبادل الخبرات وبناء شراكات ترتكز على الثقة والشفافية”، حسب قوله.
وأشار الغزواني إلى “أن موريتانيا نفذت إصلاحات هيكلية هامة في إطار استراتيجية “النمو المتسارع والرفاه المشترك”، وهي استراتيجية وطنية شاملة تهدف لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وعدالة اجتماعية وتسيير رشيد للموارد، مع تركيز خاص على الشباب والنساء والفئات الهشة، مشدداً على أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق بدون إدارة مستدامة للموارد الطبيعية”.
وأوضح الرئيس الموريتاني “أن بلاده وسّعت الاعتماد على الطاقات المتجددة، لا سيما الشمسية والهوائية، إلى جانب تنفيذ مشاريع زراعية ومائية صديقة للبيئة، وكثّفت الاستثمارات في قطاعات الإنتاج، خصوصاً الطاقة والزراعة والصيد والرقمنة، وهو ما تمخض عن عدة نتائج بينها تحسين مناخ الأعمال وضبط التوازنات الاقتصادية، بحسب تقارير إيجابية من شركاء دوليين من بينهم صندوق النقد الدولي”.
وفي مجال التكنولوجيا، كشف ولد الغزواني عن إطلاق بلاده لعدد من المبادرات لدعم التحول الرقمي وبناء قدرات الشباب التقنية، لتمكينهم من المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي، داعياً المستثمرين والمانحين الدوليين إلى استكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في موريتانيا، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، والمعادن الخضراء، والموارد البحرية والزراعة المستدامة.
وتسعى موريتانيا والممولون المتعهدون من وراء هذه التمويلات، إلى إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية المحلية من خلال دعم مشاريع استراتيجية تشمل الطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والزراعة، والبنية التحتية للنقل والموانئ، فضلًا عن برامج موجهة لتحسين جودة الحياة في العاصمة نواكشوط والمناطق الداخلية.
وأدرجت الحكومة الموريتانية هذه الالتزامات ضمن إطار “استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك” (2016-2030)، التي تعتمدها الحكومة كمرجعية تنموية شاملة.
وقد باشرت السلطات الموريتانية تنفيذ جملة إصلاحات لتحديث القطاع المالي، من ضمنها إصدار قوانين جديدة للبنك المركزي، وقانون استثمار محدث، وخطة شمول مالي، إلى جانب إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد.
ورغم ذلك، لا تزال موريتانيا تواجه تحديات بنيوية كبيرة في مجال الحوكمة والشفافية، إذ تراجعت في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، وحصلت في 2024 على 30 نقطة فقط من أصل 100، ما يعكس استمرار ضعف الرقابة العامة ومحدودية أثر الإصلاحات السابقة.
وفي ظل غياب المتابعة الدقيقة والرقابة الفعالة، يخشى مراقبون من أن تؤول هذه التمويلات إلى أعباء ديون ثقيلة دون أثر تنموي ملموس، على غرار تجارب سابقة تحولت فيها القروض والمنح إلى التزامات مالية خانقة دون تحسين في مؤشرات المعيشة.
وتؤكد التوصيات المستخلصة أن نجاح هذه الفرصة التمويلية التاريخية لا يتوقف على حجم التمويلات، بل على مدى جديّة الإصلاحات المؤسسية المصاحبة لها. ويُعد ربط التمويلات بإصلاحات شفافة، بينها تفعيل الرقابة المستقلة، وتمكين المجتمع المدني والإعلام من المراقبة والمساءلة، شرطًا أساسيًا لتفادي تكرار الفشل السابق.
وأُوصى خبراء متابعون للشأن الاقتصادي الموريتاني بوضع خطة متكاملة لإدارة المخاطر والتقييم الدوري للمشاريع، بالشراكة مع الممولين، لضمان معالجة الاختلالات وتوجيه الاستثمارات نحو أهدافها الحقيقية.
ويعكس الإعلان عن هذا التمويل، بحسب مراقبين، تنامي الثقة من جانب الشركاء الماليين العرب في المسار الاقتصادي والإصلاحي الذي تنتهجه موريتانيا، وسط مساعٍ حكومية لتنويع مصادر التمويل وتعزيز الاستثمارات في البنى التحتية والخدمات الأساسية.
وأكد الخبير الاقتصادي ختار الشيباني وزير الثقافة السابق في تعليق له على التمويلات التي حصلت عليها موريتانيا “أن الاستفادة القصوى من هذه التمويلات تتطلب إعادة النظر في البرنامج الاستعجالي التنموي، بحيث يقوم على أولويات واقعية نابعة من حاجيات المواطنين، وليس على توازنات ظرفية أو اعتبارات جهوية”.
وقال إن الرهان الأساسي لا يكمن في وجود الموارد، بل في القدرة على تحويلها إلى مشاريع ملموسة تحدث أثرًا حقيقيًا، وهذا يستدعي بناء نموذج اقتصادي يُعلي من قيمة الإنسان باعتباره وسيلة وغاية للتنمية في آن، وهو ما لن يتحقق، حسب قوله، إلا من خلال اعتماد الحوكمة الرشيدة، وتطبيق الصرامة في إدارة المشاريع، وربط الإنفاق بنتائج قابلة للقياس، وتكريس مبدأ الشفافية والنشر الدوري للمعلومات.