ضرورة إلغاء قانون العفو 1993 لتحقيق الوحدة الوطنية والمصالحة

اثنين, 01/12/2025 - 22:18

يُحدث قانون العفو لعام 1993 برأيي اضطرابًا وطنيًا كما يمنع البلاد من إعادة كتابة تاريخها المعاصر بالتوجه نحو الحقيقة والعدالة والمصالحة الوطنية.

 انه من الضروري للغاية أن يسعي كلا من  الضحايا والناجون والأمة بأسرها في تسوية ما حدث بين عامي 1989 و1991 و معرفة لماذا تم اُرتكاب تلك الإعدامات الميدانية خارج نطاق القضاء بحق الموريتانيين السود...!؟

انني سأستخدم بادئ ذي بدء، خلال هذا التأمل، مصطلحي "الإعدامات بإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء" و"الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان" للإشارة إلى أحداث الفترة من عام 1989 إلى عام 1991.

انني أرى أنه من الأهمية بمكان استخدام المفاهيم القانونية لتسليط الضوء على خطورة هذه الأحداث، لأنها تمس جزءًا منا، أو بالأحرى جزءًا لا يتجزأ من وطننا الأم (موريتانيا)، الذي عانى من عمليات إعدام وحشية ولاإنسانية ومهينة خارج نطاق القضاء.

إن مفهوم "الإرث الإنساني"، الذي تستخدمه الحكومة لوصف هذه الأفعال الخطيرة والفظيعة والشنيعة، مصطلح مُختزل ومُقيد. أضف الي ذلك، كون الدولة المركزية تُعرّف بمزيج من ثلاثة عناصر: السكان والتراب الوطني والحكومة. كما ان الوظائف الأساسية للدولة كانت في الماضي تقوم على الأمن الخارجي والداخلي والعدالة وإرساء قواعد القانون، من بين أمور أخرى.

فيما شهدت الدولة المعاصرة تزايدًا في التزاماتها: إذ أصبح عليها في عهدنا الحالي، ضمان وحماية وتثقيف وكفالة وحفظ السلام والعدالة والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية عبر الزمان والمكان علاوة الي الدورٌ الأساسي للعدالة في تحقيق الوحدة والتماسك.

ومع بزوغ عصر ما بعد الحداثة، تتطور المجتمعات والأعراف والاحتياجات نحو ما يُسمى بالتعددية القضائية. ويفسر ذلك حقيقة أن العدالة التقليدية لم تعد الوسيلة الوحيدة لحل النزاعات. فهناك اليوم طرقٌ متعددة لإقامة العدل. وهذا يُعادل القول إن العدالة لغة، ولكن داخل اللغة، توجد طرقٌ متعددة لاستخدام الكلمات لإحداث تأثيرٍ تصالحي قائم على السلام والانسجام الاجتماعي والوحدة الوطنية.

انه يحق للضحايا والناجون ولجميع ساكنة موريتانيا، معرفة الحقيقة ومساءلة الحكومة المركزية حول ما حدث بين عامي 1989 و1991. ذلك لأن هذه الأحداث أصبحت اليوم ، شئنا أم أبينا، جزءًا لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

انه تاريخنا، تاريخ الأمة الحاضنة، تاريخ أمة قوس قزح. ان الدولة، بمختلف سماتها، تعتبر فاعل رئيسي في تحقيق العدالة، أيًا كان شكلها (تقليديًا، تفاوضيًا، إصلاحيًا، أو انتقاليًا).

وبالنسبة لهؤلاء، يُعدّ في رأيي إلغاء قانون العفو لعام 1993، شرطًا أساسيًا للمضي قدمًا نحو الحقيقة والعدالة والمصالحة الوطنية.

الا ان إلغاء القانون لا يعني بالضرورة الشروع في إجراءات قانونية أو معاقبة أو محاسبة...ان إلغاء قانون العفو يفيد في هذه الحالة تحديدًا، بذل المزيد من الجهود للوصول إلى مائدة الحقيقة والعدالة.

لماذا يجب إلغاء قانون العفو لعام 1993؟

ان القانون الحالي الذي يعتبر حسب رأيي، مصدرًا رئيسيًا للاضطراب الوطني، سواء من حيث جوهره او شكله، لم يعد له مكان في نظامنا القانوني، اذ يجب الغاءه من إطارنا القانوني بسبب ما يمثل من مطبات للوحدة والمصالحة الوطنية.

ومما يعزز ذلك، كون أحكامه مُكررةٌ ومُتحايلةٌ ولا تُحسّن وضوح نظامنا القانوني. كما ان العفو يعتبر، من حيث الناحية القانونية، إجراءً تشريعيًا يُسقط الملاحقات القضائية أو يُمحو الإدانة الصادرة سابقًا.

هذا ما قام المُشرّع الموريتاني عام 1993 من خلال إقراره المُتسرّع لقانون العفو سبيلا في إنهاء الإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن عمليات القتل بإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الموريتانيين السود.

وهنا اشير مجدد ان إلغاء هذا القانون لا يعني إثارة دعوى قضائية، بل السعي لتفادي احداث هذه القاعدة بشكل نهائي لأي تأثير مُستقبلي على احتياجاتنا المُستجدة للحقيقة والعدالة والذاكرة المُشتركة والوحدة الوطنية.

انه من المُلحّ، بل المُلحّ للغاية، إلغاء هذه القاعدة بشكل صريح واستبدالها بأخرى تُمكّننا من الوصول إلى مائدة الحقيقة والعدالة (مهما كان شكلها) والمصالحة وبناء ذاكرة جماعية. نعم، فذلك ليس امرا مستحيلا !

لماذا التطلع لقانون جديد؟

ان المشرع قادر، بدلاً من قانون العفو لعام 1993، علي تقديم أداءً أفضل من شأنه أن يكون من بين أولئك الذين يُعيدون كتابة تاريخ موريتانيا المعاصر. ولتحقيق ذلك، يجب على السلطة التشريعية أن تُعلن بوضوح عن نيتها إلغاء قانون العفو وإصدار قانون جديد يُعزز المصالحة الوطنية، والحقيقة، والعدالة، والذاكرة الجماعية.

كما ان الحكومة الموريتانية تمتلك اليوم جميع الأدوات اللازمة لإلغاء القانون وإصدار قانون جديد. كما انه من السهل جدًا الحديث عن الوحدة الوطنية والمصالحة عندما تُريد الأرملة أو اليتيم أمامك معرفة ما حدث لزوجها، أو والدها، أو أخيها... بين عامي 1989  و1991.

ولتحقيقها الوحدة الوطنية والمصالحة، فان الحكومة بحاجة الي إصدار قانون جديد من شانه ان يُوفر الإطار التنظيمي الذي يُحدد التزامات وواجبات الدولة وجميع الجهات المعنية، مما يُمكّن من فتح التحقيق في أحداث 1989-1991 و الذي يتمثل هدفه الأساسي في كشف الحقيقة، وتحقيق العدالة (مهما كان شكلها)، والسعي إلى العفو، ومصالحة الموريتانيين مع أنفسهم.

كما يجب أن يُرسي هذا القانون أيضًا جميع الشروط والضمانات القانونية اللازمة لتحديد هوية الجناة والضحايا والناجين، مما يُمهد الطريق لما يُشار إليه عادةً بالحقيقة والعدالة والمصالحة.

وجدير بالذكر ان جنوب أفريقيا ودول أخرى حول العالم قد اعتُمدت هذه المقاربة. كما يطالب القانون أيضًا بإنشاء محاكم مصالحة خاصة تتألف من قضاة محايدين (رجالًا ونساءً)، محترفين وغير محترفين، يتم اختيارهم أو انتخابهم من قِبل هيئة مستقلة بناءً على أخلاقهم العالية ونزاهتهم. وستكون مهمة هؤلاء القضاة الاستماع إلى شهادات الأطراف المعنية ومسائلتها من أجل كشف الحقيقة، وتحقيق العدالة، والسعي إلى العفو، من بين أمور أخرى.

كما كان الحال نفسه بالنسبة لرواندا بعد الإبادة الجماعية ضد التوتسي حيث أنشأت الدولة إطارًا تشريعيًا أتاح فتح اثني عشر ألف هيئة قضائية. من بينها 9000 محكمة غاتشاتشا (محاكم مجتمعية أو محلية) للاستماع إلى الجناة والضحايا على حد سواء، والحكم عليهم، والتسامح معهم، والمصالحة معهم في إطار اجتماعي.

كما يجب في الاخير، أن يسمح القانون الجديد المحاكم الخاصة بتحديد مبلغ التعويض المالي للضحايا، والأمر بإعادة دمج العمال الذين ما زالوا علي قيد الحياة في وظائفهم، ومنح صفة الضحية لأي شخص يُعتبر ضحية لهذه الأحداث. كما يجب أن ينص القانون على إنشاء متحف وطني أو نصب تذكاري مُخصص لذكرى الشهداء.

د. بوبو با

جامعة باريس نانتير

عضو مشارك في مركز أبحاث تشاد بجامعة باريس نانتير

محكمة باريس القضائية