نواذيبو.. تنام في حضن العسكر لتحتفل بالاستقلال

سبت, 28/11/2015 - 09:49

صباحات نواذيبو باردة كعادتها في فصل الشتاء، والأرض تمور بحركة غير ما عهدت، أحذية خشنة وقرع نشاز هنا، لا صوت يعلو زمارات العسكر وخَطوهم المنتظم على هدير أناشيد تعلو وتنخفض مع حركة الريح، تسيطر المظاهر العسكرية على الشوارع الرئيسية للمدينة، تماما كما صيحات الجند على طبلة أذن المارين، ودون استئذان، المدينة تستظل في نهارها بالأعلام الوطنية.

قراران ظلا على مدى السنوات الماضية ينتظرهما أهل نواذيبو: قرار توقيف الصيد، ويوم تبتلع اللجة الصيادين وقواربهم، قرار ثالث سيذكره أهل المدينة زمنا طويلاً، نواذيبو تحتضن أضخم الاحتفالات وأمجدها وطنيا، عيد الاستقلال.

في نواذيبو شارعان رئيسيان: بولفار ميدي 1 وشارع البحرية، يخترق المحجان قلب المدينة مرورا بأهم معالمها الجديدة، المظاهر المعدة للاحتفال تتركز في شارع ميدى 1، تبدأ بمنصة رئيسية، وأخريين جانبيتين ويمتد العرض منهما إلى نهاية الشارع مسافة 3 كيلومترات.

أصبحت المنصة محجاً ثابتا في مساءات نواذيبو الساخنة على غير ما ألفت وعهد أهلها، ليالي المدينة تغلي بالتحضير للعرض العسكري، تدخل الشوارع عسكرة إجبارية، تبدأ من التاسعة ليلا وحتى طلوع الفجر، بعض الأسر بأطفالها تفترش نواصي الطرق، طوعا أو كرها، الأوامر واضحة، السيارات العسكرية الحاملة للمدافع هي من لها حرية المرور فقط، حتى المتسللون بين جانبي الشارع الرئيس يشيعهم عسكري بزعيق متوعد.

تأثير التطورات الأمنية الإقليمية والدولية باديا على ملامح العسكر، الأصابع قريبة من الزناد، وفوهات المدافع في خط مواز للأرض، و"قف" هي سيدة الكلام هنا؛ نواذيبو قريبة من مسرح لإحدى أكبر الحروب التي عرفتها المنطقة، والطريق المؤدي إليها كان مسرحا لعملية اختطاف أدخلت موريتانيا "منطقة حمراء"، مازالت تعانى تبعاتها.

المدينة تلبس الانتظار هذه الأيام، قاربت دخول الملل من تكرار تجارب محاكاة العرض العسكري، لم يعد في الأمر مستور أو مشوق، يقول أحد الواقفين على ناصية الشارع، يمسك بطرف علم وطني ويضيف "حرص العسكر على الدقة والنظام مكنهم من الوطن بكامله"، مط شفتيه وابتلعته الجموع المرافقة للطوابير العسكرية، ربما كتب علينا أن نسير هكذا جنبا إلى جنب مع العسكر، لا أمر لنا، وأمرهم مطاع.

صاحب إعلان المدينة منطقة حرة بعض التطور العمراني، إذ شجعت المنطقة المستثمرين الأجانب والوطنيين بإعفاءات ضريبية ساعدت في خلق بنية تحتية خدمية بدأت تضفي على المدينة شكلا يشبه المدن السياحية، سرعان ما تشوهه الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي في المدينة، كل النزل والمتاجر الكبيرة تملك مولدات كهربائية بديلة عند انقطاع الكهرباء.

المدينة الساحلية والعاصمة الاقتصادية لموريتانيا حباها الله بموقع جغرافي لا تحتاج معه إلى كبير عمل لتكون ضمن المدن السياحية في المنطقة، هنا يجتمع الشاطئ، والشمس، والرمل، وغروب الشمس.

نشاط المدينة نهارا شبه معدوم إلا من بعض بقايا مظاهر العسكرة الليلية، والتحضيرات المصاحبة لاحتفال المدينة بعيد الاستقلال، كل العناوين واللافتات تحتفل بالاستقلال، وعزيز جنبا إلى جنب، أول مرة تستضيف المدينة هذا الكم من البشر وأول مرة يحتفى بعيد الاستقلال على هذا الشكل خارج نواكشوط.

شواهد الاستقلال في المدينة أغفلت في العرض العسكري، فلن يشاهد الموريتانيون نصب " كراع النصاراني"، حيث دارت معركة طاحنة بين المستعمر والمقاومة سنة 1924 من القرن الماضي، ولن تظهر المنارة الزرقاء بنفقيها الرابطين بين أطراف المدينة القديمة.. فقط الشوارع الجديدة.

الجنوب الحانُّ إلى الشمال دوما بدأ يصل إلى أرض نواذيبو، موريتانيا ترحل صوب شمالها بقلاقلها، وتدشيناتها، ومبادراتها الداعمة للنظام وتلك السائرة في طريق الدعم، بعضها يرى الدولة مستعمرة إلى حدود 2009، وبعض قبل ذلك بيد أن الاستقلال الحقيقي كان مع وصول الحكم الحالي.