
يُعيد لنا محمد ولد اشريف اشريف، بوفاء وببراعة قلمه المعهودة، مسيرة المثقف اللامع إبراهيم ولد عبد الله، رائد الصحافة الموريتانية بلا منازع، والعلَم الشامخ في المشهد الإعلامي الوطني. سيرةٌ تتقاطع فيها حقيقة الوقائع مع قوة مصير ممهورٍ بالتحرر واستقلال الروح.
لم يكن إبراهيم مجرد مثقفٍ بثلاث لغات، حيث جمع بين العربية والفرنسية والإنجليزية، بل أضاف الإسبانية التي اكتسبها في رحاب دمشق، وهو يغوص في تاريخ الأندلس وفي الإرث المتوسطي المشترك. وفي سبعينيات القرن العشرين، يوم كانت نواكشوط تبحث عن ملامحها الحضرية، انفتح بسهولة على الللغة الولفية، لغة التآلف والأنَس في فضاء العاصمة الكوسموبوليتية الناشئة.
كان المثال الساطع للمثقف الذي لا يُروَّض؛ جمع بين سلوكين متقابلين ومتكاملين في أن واحد: عطاء الاقتراح البنّاء في خدمة المصلحة الوطنية، ونزعة فطرية إلى التمرّد على كل قيدٍ أيديولوجي أو إداري. التزامه لم يكن يومًا التزامَ "الموظفٍ الطيِّع"، بل كان التزامَ روحٍ حرّة، لا تكف عن توسيع آفاق الحوار وفتح أبواب النقاش.
وما يعزز هذه السمة المدنية بعدٌ صوفيّ عميق: معارفه الموسوعية، وشغفه بالنصوص المؤسِّسة، وميله الروحي، كلها عوامل لا تُذكّرنا بفيكتور هوغو - اللقب الذي أطلقه عليه رفاقه في الصبا- بل بصورة شيخٍ عظيم من شيوخ التصوف في سلالة ابن عربي.
فيه تتآلف الكلمة والفكر والحدس الروحي، ليغدو مساره شهادةً صادقة على التاريخ الوطني، ودرسًا حيًّا في الحرية الباطنية.
وكان لي شرف أن أرافقه في "القافلة"، الصحيفة التي أطلقها مطلع التسعينيات مع بدايات المسار الديمقراطي؛ حيث كنتُ تلميذًا في مدرسته الصحفية، وشاهدًا على موسوعيّته النادرة وعمقه الفريد.
عبد القادر ولد محمد (*)
-----------------------------------------------
(*) نقله من الفرنسية إلى العربية : البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)